![]() |
موسوعة الصفات المستحبة: 12 الاستخارة
[b][center][size="6"][color="red"]12-الاستخارة[/color][/size][/center][/b]
الاستخارة لغةً: الاسْتِخَارَةُ: مَصْدَرُ اسْتَخَارَ. وَهِي مِنْ مَادَّةِ(خَ يَ رَ) الَّتِي تَدُلُّ عَلَى الْعَطْفِ وَالْمَيْلِ، فَالْخَيْرُ خِلاَفُ الشَرِّ، لأَنَّ كُلَّ أحَدٍ يَمِيلُ إِلَيْهِ وَيَعْطِفُ عَلَى صَاحِبِهِ، والخِيَرَةُ: الْخِيَارُ، وَالاسْتِخَارَةُ أَنْ تَسْألَ خَيْرَ الأَمْرَيْنِ لَكَ، وَتَدُلُّ الاسْتِخَارَةُ أَيْضًا عَلَى الاسْتِعْطَافِ، وَالأَصْلُ فِي ذَلِكَ اسْتِخَارَةُ الضَّبُعِ، وَهُوَ أَنْ تَجْعَلَ خَشَبَةً فِي ثُقْبَةِ بَيْتِهَا حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ مَكَانٍ إِلَى آخَرَ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَتِ الاسْتِخَارَةُ فِي طَلَبِ الخِيَرَةِ فِي الشَّيْءِ وَهُوَ اسْتِفْعَالٌ مِنْهُ. وَتَقُولُ: خَارَ اللهُ لَكَ: أَيْ أَعْطَاكَ مَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ، وَجَعَلَ لَكَ فِيهِ الخِيَرَةَ، وَخَارَ اللهُ لَهُ: أَعْطَاهُ مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُ. وَاسْتَخَارَ اللهَ: طَلَبَ مِنْهُ الْخِيَرةَ، وَخَيَّرتُهُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ: أيْ فَوَّضْتُ إِلَيْهِ الْخِيَارَ . وَيُقَالُ: اسْتَخِرِ اللهَ يَخِرْ لَكَ، وَاللهُ يَخِيرُ للعَبْدِ إذَا اسْتَخَارَهُ . وَأَمَّا قَوْلُكَ: اسْتَخَارَ الْمَنْزِلَ: أَيِ اسْتَنْظَفَهُ، وَاسْتَخَارَ الرَّجُلَ: أَيْ اسْتَعْطَفَهُ وَدَعَاهُ إِلَيْهِ، وَفِي الْحَدِيثِ:الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَالَمْ يَتَفَرَّقَا، الْخِيَارُ الاسْمُ مِنَ الاخْتِيَارِ وَهُوَ طَلَبُ خَيْرِ الأَمْرَيْنِ: إِمَّا إِمْضَاءُ الْبَيْعِ أَوْ فَسْخُهُ، أَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم [تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ] فَمَعْنَاهُ اطْلُبُوا مَا هُوَ خَيْرُ الْمَنَاكِحِ وَأَزْكَاهَا(1). __________ (1) لسان العرب (3/80)، الصحاح (2/1-2)، والمختار منه (5)،و فتح الباري (1/3)، ومقاييس اللغة لأحمد بن فارس (2/2). |
واصطلاحًا:
الاسْتِخَارَةُ: طَلَبُ خَيْرِ الأَمْرَيْنِ لِمَنِ احْتَاجَ إلَى أَحَدِهِمَا(1). وَصَلاَةُ الاسْتِخَارَةِ: هِيَ أَنْ يُصَلِّيَ الْمَرْءُ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ فِي أَيِّ وَقْتٍ مِنَ اللَّيْلِ أَوِ النَّهَارِ يَقْرَأُ فِيهِمَا بِمَا شَاءَ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ، ثُمَّ يَحْمَدُ اللهَ وَيُصَلِّى عَلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ يَدْعُو بِالدُّعَاءِ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ (انْظُرِ الحَدِيثَ الأَوَّلَ فِيمَا يَلِي مِنْ أَحَادِيثِ الاسْتِخَارَةِ)(2). __________ (1) فتح الباري (1/7). (2) فقه السنة (1/1). |
ضرورة الالتزام بالوارد في الاستخارة:
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَاجِّ ـ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى ـ: علَى الْمَرْءِ أنْ يَحْذَرَ مِمَّا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ، مِمَّنْ لاَ عِلْمَ عِنْدَهُ، أَوْ عِنْدَه عِلْمٌ وَلَيْسَ عِنْدَهُ مَعْرِفَةٌ بِحِكْمَةِ الشَّرْعِ الشَّريِفِ فِي أَلْفَاظِهِ الْجَامِعَةِ لِلأَسْرَارِ الْعَلِيَّةِ، لأَِنَّ بَعْضَهُمْ يَخْتَارُونَ لأَنْفُسِهِمْ اسْتِخَارَةً غَيْرَ الْوَارِدَةِ . وَهَذَا فِيهِ مَا فِيهِ مِنَ اخْتِيَارِ الْمَرْءِ لِنَفْسِهِ غَيْرَ مَا اخْتَارَهُ لَهُ مَنْ هُوَ أَرْحَمُ بِهِ وَأَشْفَقُ عَلَيهِ مِنْ نَفْسِهِ وَوَالِدَيْهِ، العَالِمُ بِمَصَالِحِ الأُمُورِ الْمُرْشِدُ لِمَا فِيهِ الْخَيْرُ والنُّجْحُ وَالْفَلاَحُ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ. وَبَعْضُهُمْ يَسْتَخِيرُ الاسْتِخَارَةَ الشَّرْعِيَّةَ وَيَتَوَقَّفُ بَعْدَهَا حَتَّى يَرَى مَنَامًا يَفْهَمُ مِنْهُ فِعْلَ مَا اسْتَخَارَ فِيهِ أَوْ تَرْكَهُ أَوْ يَرَاهُ غَيْرُهُ. وَهَذَا لَيْسَ بشيءٍ، لأَنَّ صَاحِبَ الْعِصْمَةِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِالاسْتِخَارَةِ وَالاسْتِشَارَةِ لاَ بِمَا يُرَى فِي الْمَنَامِ، وَلاَ يُضِيفُ إِلَيْهَا شَيْئًا، وَيَا سُبْحَانَ اللهِ! إِنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ قَدِ اخْتَارَ لَنَا أَلْفَاظًا مُنْتَقَاةً جَامِعَةً لِخَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، حَتَّى قَالَ الرَّاوِي لِلْحَدِيثِ فِي صِفَتِهَا عَلَى سَبِيلِ التَّخْصِيصِ، وَالْحَضِّ عَلَى التَّمَسُّكِ بِألْفَاظِهَا وَعَدَمِ الْعُدُولِ إلَى غَيْرِهَا: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا الاستِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ القُرْآنِ ) وَمَعْلُومٌ أنَّ الْقُرْآنَ لاَ يَجُوزُ أنْ يُغَيَّرَ أَوْ يُزَادَ فِيهِ أَوْ يُنْقَصَ مِنْهُ، ثُمَّ انْظُرْ إلَى |
حِكْمَةِ أَمْرِهِ عَلَيهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ الْمُكَلّفِ بِأَنْ يَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ، وَمَا ذَاكَ إِلاَّ لأَِنَّ صَاحِبَ الاسْتِخَارَةِ يُرِيدُ أَنْ يَطْلُبَ مِنَ اللهِ تَعَالَى قَضَاءَ حَاجَتِهِ، وَقَدْ قَضَتِ الْحِكْمَةُ أنَّ مِنَ الأدَبِ قَرْعَ بَابِ مَنْ تُرِيدُ حَاجَتَكَ منْهُ، وقَرْعُ بَابِ الْمَوْلَى ـ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ـ إنَّمَا هُوَ بِالصَّلاَةِ، فَلَمَّا أَنْ فَرَغَ مِنْ تَحْصِيلِ فَضَائِلِ الصَّلاَةِ الْجَمَّةِ أَمَرَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ بِالدُّعَاءِ الوَارِدِ .
|
فضل صلاة الاستخارة:
وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مِنَ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ إلاَّ أنَّ مَنْ فَعَلَهَا كَانَ مُمْتَثِلاً لِلسُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ مُحَصِّلاً لِبَركَتِهَا، ثُمَّ مَعَ ذَلِكَ تَحْصُلُ لهُ بَرَكَةُ النُّطْقِ بِتِلْكَ الأَلْفَاظِ الَّتِي تَرْبُو عَلَى كُلِّ خَيْرٍ يَطْلبُهُ الإِنْسَانُ لِنَفْسِهِ وَيَخْتَارُهُ لَهَا. فَيَاسَعَادَةَ مَنْ رُزِقَ هذَا الْحَالَ، وَيَنْبَغِي لِلْمَرْءِ أَنْ لاَ يَفْعَلَهَا إِلاَّ بَعْدَ أَنْ يَتَمَثَّلَ مَا وَرَدَ مِنَ السُّنَّةِ فِي أَمْرِ الدُّعَاءِ، وَهُوَ أَنْ يَبْدَأَ أوَّلاً بِالثَّنَاءِ عَلَى اللهِ ـ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ـ ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ يَأْخُذُ فِي دُعَاءِ الاسْتِخَارَةِ الْوَارِدِ ثُمَّ يَخْتِمُهُ بِالصَّلاَةِ علَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ الأَفْضَلُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الاسْتِخَارَةِ وَالاسْتِشَارَةِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ كَمَالِ الامْتِثَالِ لِلسُّنَّةِ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ السَّلفِ: مِنْ حَقِّ الْعَاقِلِ أن يُضِيفَ إلَى رَأْيِهِ آراءَ الْعُلَمَاءِ، وَيَجْمَعَ إِلَى عَقْلِهِ عُقُولَ الْحُكَمَاءِ،فَالرَّأْيُ الفَذُّ رُبَّمَا زَلَّ، وَالْعَقْلُ الْفَرْدُ رُبَّمَا ضَلَّ . فَعَلَى هَذَا، فَمَنْ تَرَكَ الاسْتِخَارَةَ وَالاسْتِشَارَةَ يُخَافُ عَلَيْهِ مِنَ التَّعَبِ فِيمَا أخَذَ بِسَبِيلِهِ لِدُخُولِهِ فِي الأَشْيَاءِ بِنَفْسِهِ دُونَ الامْتِثَالِ للسُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ وَمَا أَحْكَمَتْهُ في ذَلِكَ. |
قَالَ النَّوَوِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ بَعْدَ الاسْتِخَارَةِ مَا يَنْشَرِحُ لَهُ، وَلاَ يَعْتَمِدُ عَلَى انْشِرَاحٍ كَانَ فِيهِ هَوًى قَبْلَ الاسْتِخَارَةِ، بَلْ يَنْبَغِي لِلْمُسْتَخِيرِ تَرْكُ اخْتِيَارِهِ رَأْسًا، وَإِلاَّ فَلاَ يَكُونُ مُسْتَخِيرًا للهِ، بَلْ يَكُونُ غَيْرَ صَادِقٍ فِي طَلَبِ الْخِيَرَةِ وَفِي التَّبَرِّي مِنَ العِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَإِثْبَاتِهَا للهِ تَعَالَى، فَإِذَا صَدَقَ فِي ذَلِكَ تَبَرَّأَ مِنَ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ وَمِنَ اخْتِيَارِهِ لِنَفْسِهِ(1).
[للاستزادة: انظرصفات:الاستعانة ـ الاستعاذة ـ الإنابة ـ التوكل ـ الدعاء ـ الذكر ـ القنوت ـ الضراعة والتضرع . وفي ضد ذلك:انظر صفات: الإعراض ـ الأمن من المكر ـ الكبر والعجب]. __________ (1) بتصرف يسير من كتاب المدخل (4/6ـ4).وفقه السنة للشيخ سيد سابق(1مكية.1). |
الأحاديث الواردة في "الاستخارة"
1ـ*( عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ـ قَالَ: كَانَ النَّبِي ُّ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا الاسْتِخَارَةَ في الأُمُورِ كُلِّهَا كَالسُّورَةِ مِنَ القُرْآنِ يَقُولُ: [إذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ؛ فَإنَّكَ تَقْدِرُ وَلاَ أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلاَ أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ، اللَّهُمَّ، إِنْ كُنْتَ تَعَلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي ـ أَوَ قَالَ فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ ـ فَاقْدُرْهُ لِي، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي ـ أوْ قَالَ: فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ ـ فَاصْرِفْهُ عَنِّي، وَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدُرْ لِيَ الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ، ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ، وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ](1). من الآثار وأقوال العلماء الواردة في "الاستخارة" 1ـ*( عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ أَنَّهُ قَالَ: [ لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ بِالْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَلْحَدُ(2) وَآخَرُ يُضْرِحُ (3) فَقَالُوا: نَسْتَخِيرُ رَبَّنَا، وَنَبْعَثُ إِلَيْهِمَا فَأَيُّهُمَا سَبَقَ تَرَكْنَاهُ . فأُرْسِلَ إِلَيْهِمَا فَسَبَقَ صَاحِبُ اللَّحْدِ، فَلَحَدُوا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم])*(4). __________ (1) البخاري - الفتح 11(6382). (2) يلحد: أي يجعل للميت لحدًا وهو الشق يكون في عرض القبر. (3) يضرح: أي يدفن بلا لحد. (4) ابن ماجه (7) وقال في الزوائد: إسناده صحيح، أحمد (3/9). |
2- *( عَنْ عَطَاءٍ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ قَالَ:لَمَّا احْتَرَقَ الْبَيْتُ زَمَنَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، حِينَ غَزَاهَا أَهْلُ الشَّامِ، فَكَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ، تَرَكَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ . حَتَّى قَدِمَ النَّاسُ الْمَوْسِمَ . يُريِدُ أَنْ يُجَرِّئَهُمْ ( أْوْ يُحَرِّبَهُمْ(1) عَلَى أَهْلِ الشَّامِ . فَلَمَّا صَدَرَ النَّاسُ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَشِيرُوا عَلَيَّ فِي الْكَعْبَةِ أَنْقُضُهَا ثُمَّ أَبْنِي بِنَاءَهَا. أَوْ أُصْلِحُ مَا وَهَى(2)مِنْهَا؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَإِنِّي قَدْ فُرِقَ(3) لِي رَأْيٌ فِيهَا . أَرَى أَنْ تُصْلِحَ مَا وَهَى مِنْهَا. وَتَدَعَ بَيْتًا أَسْلَمَ النَّاسُ عَليْهِ . وَأَحْجَارًا أَسْلَمَ النَّاسُ عَلَيْهَا،وَبُعِثَ عَلَيْهَا النَّبِيّ ُ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: لَوْ كَانَ أَحَدُكُمُ احْتَرَقَ بَيْتُهُ، مَا رَضِيَ حَتَّى يُجِدَّهُ(4). فَكَيْفَ بَيْتُ رَبِّكُمْ؟ ِإنِّي مُسْتَخِيرٌ رَبِّي ثَلاَثًا . ثُمَّ عَازِمٌ عَلَى أَمْرِي . فَلَمَّا مَضَى الثَّلاَثُ، أَجْمَعَ رَأْيَهُ عَلَى أَنْ يَنْقُضَهَا . فَتَحَامَاهُ النَّاسُ أَنْ يَنْزِلَ بِأَوَّلِ النَّاسِ يَصْعَدُ فِيهِ أَمْرٌ مِنَ السَّمَاءِ . حَتَّى صَعِدَهُ رَجُلٌ فَأَلْقَى مِنْهُ حِجَارَةً . فَلَمَّا لَمْ يَرَهُ النَّاسُ أَصَابَهُ شَيْءٌ تَتَابَعُوا. فَنَقَضُوهُ حَتَّى بَلَغُوا بِهِ الأَرْضَ . فَجَعَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ أَعْمِدَةً . فَسَتَّرَ عَلَيْهَا السُّتُورَ . حَتَّى ارْتَفَعَ بنَِاؤُهُ.
__________ (1) أو يُحَرِّبَهُمْ: قيل يغيظهم بما يرونه قد فعل بالبيت، وقيل: يحملهم على الحرب ويحرضهم عليها، وروى الحديث أيضًا بلفظ يحزبهم ـ بالزاي ـ أي يشد قوتهم ويميلهم إليه ويجعلهم حزبًا له. (2) ما وهى من الكعبة: أي ما تَهَدَّم منها. (3) فرق له رأي: أي بدا له وظهر. (4) يجده: أي يجعله جديدًا. |
وَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: إِنِّي سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: [لَوْلاَ أَنَّ النَّاسَ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِكُفْرٍـ وَلَيْسَ عِنْدِي مِنَ النَّفَقَةِ مَا يُقَوِّي عَلَى بِنَائِهِ ـ لَكُنْتُ أَدْخَلْتُ فِيهِ مِنَ الْحِجْرِ خَمْسَ أَذْرُعٍ، وَلَجَعَلْتُ لَهَا بَابًا يَدْخُلُ النَّاسُ مِنْهُ، وَبَابًا يَخْرُجُونَ مِنْهُ ]. قَالَ: فَأَنَا اليَوْمَ أَجِدُ مَا أُنْفِقُ . وَلَسْتُ أخَافُ النَّاسَ. قَالَ: فَزَادَ فِيهِ خَمْسَ أَذْرُعٍ مِنَ الْحِجْرِ . حَتَّى أَبْدَى أُسًّا(1) نَظَرَ النَّاسُ إِلَيْهِ. فَبَنَى عَلَيْهِ البِنَاءَ، وَكَانَ طُولُ الكَعْبَةِ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ ذِرَاعًا . فَلَمَّا زَادَ فِيهِ اسْتَقْصَرَهُ فَزَادَ فِي طُولِهِ عَشْرَ أَذْرُعٍ، وَجَعلَ لَهُ بَابَيْنِ أَحَدُهُمَا يُدْخَلُ مِنْهُ، والآخَرُ يُخْرَجُ مِنْهُ . فَلَمَّا قُتِلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ كَتَبَ الحَجَّاجُ إِلَى عَبْدِالْمَلِكِ بْنِ مَرْوَان يُخْبِرُهُ بِذَلِكَ، وَيُخْبِرُهُ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ قَدْ وَضَعَ البِنَاءَ عَلَى أُسٍّ نَظَرَ إِلَيْهِ العُدُولُ مِنْ أهْلِ مَكَّةَ . فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُالْمَلِكِ: إنَّا لَسْنَا مِنْ تَلْطِيخِ ابْنِ الزُّبَيْرِ(2) فِي شَيْءٍ. أَمَّا مَا زَادَ فِي طُولِهِ فَأَقِرَّهُ، وَأَمَّا مَا زَادَ فِيهِ مِنَ الْحِجْرِ فَرُدَّهُ إِلَى بِنَائِهِ . وَسُدَّ الْبَابَ الَّذِي فَتَحَهُ. فَنَقَضَهُ وَأَعَادَهُ إِلَى بِنَائِهِ)*(3).
__________ (1) حتى أبدى أسا: أي حفر من أرض الحجر ذلك المقدار إلى أن بلغ أساس البيت الذي أسس عليه إبراهيم عليه السلام حتى أرى الناس أساسه . فنظروا إليه فبنى البناء عليه. (2) إنا لسنا من تلطيخ ابن الزبير: يريد بذلك سبه وعيب فعله يقال: لطخته، أي رميته بأمر قبيح . يعني إنا برآء مما لوثه بما اعتمده من هدم الكعبة. (3) مسلم (3). |
3-*(قَالَ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ ـ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى ـ: [الاسْتِخَارَةُ فِي الأُمُورِ الْمُبَاحَةِ وَفِي الْمُسْتَحَبَّاتِ إِذَا تَعَارَضَا فِي الْبَدْءِ بِأَحَدِهِمَا، أَمَّا الوَاجِبَاتُ وَأَصْلُ المُسْتَحَبَّاتِ والْمُحَرَّماتِ والْمَكُروهَاتِ كُلُّ ذَلِكَ لاَ يُسْتخَارُ فِيهِ ])*(1).
4-*( وقَالَ أَيْضًا:[ الحِكْمَةُ فِي تَقْدِيمِ الصَّلاةِ عَلَى دُعَاءِ الاسْتِخَارَةِ: أَنَّ الْمُرَادَ حُصُولُ الجمْعِ بَيْنَ خَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ فَيُحْتَاجُ إِلَى قَرْعِ بَابِ الْمَلِكِ، وَلاَ شَيْءَ لِذَلِكَ أَنْجَعُ وَلاَ أَنْجَحُ مِنَ الصَّلاَةِ لِمَا فِيهَا مِنْ تَعْظِيمِ اللهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَالافْتِقَارِ إِلَيْهِ مَآلاً وحَالاً])*(2). 5-*(قَالَ الطِّيبِيُّ ـ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى ـ:[سِيَاقُ حَدِيثِ جَابِرٍ فِي الاسْتِخَارَةِ يَدُلُّ عَلَى الاعْتِنَاءِ التَّامِّ بِهَا])*(3). 6ـ *( قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ:[مَنْ أُعْطِيَ أَرْبَعًا لمْ يُمْنَعْ أَرْبَعًا: مَنْ أُعْطِيَ الشُّكْرَ لَمْ يُمْنَعِ الْمَزِيدَ، وَمَنْ أُعْطِيَ التَّوْبَةَ لَمْ يُمْنَعِ القَبُولَ، وَمَنْ أُعْطِيَ الاسْتِخَارَةَ لَمْ يُمْنَعِ الخِيرَةَ، وَمَنْ أُعْطِيَ الْمَشُورَةَ لَمْ يُمْنَعِ الصَّوَابَ])*(4). 7-*( قَالَ بَعْضُ الأُدَبَاءِ:[ مَا خَابَ مَنِ اسْتَخَارَ، وَلاَ نَدِمَ مَنِ اسْتَشَارَ])*(5). من فوائد "الاستخارة" (1) دَلِيلٌ عَلَى تَعَلُّقِ قَلْبِ الْمُؤْمِنِ بِاللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ فِي سَائِرِ أَحْوَالِهِ . (2) الرِّضَا بِمَا قَسَمَ اللهُ لِلإنْسَانِ وَقَدَّرَ . (3) مِنْ أَسْبَابِ السَّعَادَةِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. __________ (1) الفتح (1/8) بتصرف. (2) المرجع السابق (1/ 9) بتصرف. (3) المرجع السابق (11/188) بتصرف (4) إحياء علوم الدين (1/6). (5) أدب الدنيا والدين (309). |
الساعة الآن 09:59 AM. |
جميع الحقوق محفوظة لمكتبة المسجد النبوي الشريف
جميع المقالات والأبحاث تعبر عن رأي أصحابها ، وليست بالضرورة تعبر عن وجهة نظر الموقع